. (من رواية : ( المسيح يصلب من جديد
نيقوس كازانتزاكس
ترجمة: شوقي جلال
مراجعة : د. نعيم عطية
إن الله لا يتعجل أبداً. إنه ساكن, يرى المستقبل كأنه ماض, إذ أنه يعمل في نطاق الأبدية. المخلوقات الزائلة التي لا تدري ماذا سيحدث غداً هي وحدها التي تتعجل بدافع من الخوف و القلق. دع الله يعمل في صمت, و لتكن مشيئته. لا ترفع رأسك و لا تسائل. فكل سؤال خطية.
****
كانت الشمس في عليائها و الأرض من تحتها تعملان معاً في توافق و دأب طوال هذه الفترة على انضاج الحب. ىبست السنابل الممتلئة لبناً. و صبغ الخشخاش الحقول بلونه الأحمر. و جمعت الطيةر المغردة شعراً و قشاً و طيناً لتبني أوكارها. رقدت الأنثى فوق البيض باسطة عليه جناحيها, و جثم الذكر أمامها فوق غصن شجرة يغني لها مشجعاً. و بين حين و آخر يتساقط الرذاذ, عزيزاً بعد طول انتظار, فينعش الأرض ببعض الرطوبة, و لكن سرعان ما تعود الشمس إلى الظهور, تطارد السحب لتواصل عملها القديم قدم العالم في خدمة الناس و الطير.
****
ما أبدع الوجود في صحبة المسيح, السماء زاهية عميقة, و الهواء صاف عليل كروح نقية, و الأرض تتضوع مسكاً.
****
النفس في كفة و العالم في الكفة الأخرى, لكن النفس أعز قيمة و أكبر وزنا. اذن لماذا الخوف من الموت؟ لماذا نذل أمام سطوة الأرض؟ لماذا تقشعر أبداننا اذا ما خطر ببالنا أننا سنخسر الحياة الدنيا؟ و لماذا الخوف و لنا روح خالدة؟ و هي أحق بالخلاص
****
النوم يكشف البصيرة. هذا بعض ما علمتنيه حياة الوحدة هنا. فالله يتحدث إلى النيام أكثر مما يتحدث إلى الأيقاظ.
****
افتح عينيك يا أبانا. افتحهما لتشهد بديع خلق الله.
أنا أغمض عيني فأشهد الخالق ذاته.
****
أي نشوة غامرة يستشعرها المرء حين يستيقظ مبكراً ذات صباح و قد أضمر في نفسه قراراً حاسماً و خطيراً.
****
اذا كان ما بيني و بين الله عمار فلا يعنيني أمر البشر.
****
قدر مكتوب...قدر مكتوب... و التمس في تامله هذا عزاء هدأ من روعه. ألقى بمسئولية خطايا البشر على الله, و ارتاح لذلك. و هل لنا أن تعترض على الله؟ هكذا أراد, و هكذا كتب علينا في لوحه المحفوظ. فما من شئ يحدث إلا بإذنه. ليس لنا إلا أن تتكس الرأس خضوعا, و نصمت اذعانا... كل شئ مكتوب علينا...
****
المسيح مثل النبيذ, يفتح قلب الإنسان حتى يسمع العالم كله. و هكذا يفتح أبواب الجنة حتى يجد كل الخطاة مكاناً لهم فيها.
****
و حب الرفاق الثلاثة وقوفا. خيل إليهم و كأن المسيح ظهر أمامهم في عتمة الليل, حزيناً, فقيراً في لباسه, مضطهداً من البشر, دامي القدمين من طول المسير, طريداً بغير مأوى. و أنسوا في نفوسهم رهبة و فرحاً من هذا الحضور الخفي. و لبثوا ساعة لا ينبسون ببنت شفة. اذ ماذا يقولون؟ و الى من ينظرون أو يوجهون الحديث؟ لم يبصروا أحدا. و مع ذلك شعروا به يملأ عليهم وجدانهم كأنهم لم يروا كائناً واقعياً محسوساً مثل ما كان هذا الحضور الخفي الذي جلس بينهم في شكل انسان متواضع غاية التواضع.
****
No comments:
Post a Comment