(من رواية : ( المسيح يصلب من جديد
نيقوس كازانتزاكس
ترجمة : شوقي جلال
مراجعة : د. نعيم عطية
غطت الماعز و الأغنام المنحدرات, و تردد بين
جنباتها رنين الأجراس. خرج الجبل إلى المرعى. دبت الحركة بين أهل القرية, و انسابت
ماء الجداول صداحة, تثب من حجر الى حجر. و رويدا رويدا خفتت أصوات الجداول و أجراس
الماشية و الجبل, لا, لم تخفت أصواتها, بل كان يعتمل بداخلها ضحك حلو طروب منعش..
فعلى مرمى البصر يمتد بحر متناغم الأمواج, و شاطئ تناثرت فوقه الأصداف.. و ثمة
نساء باسمات الثغر يستحممن.. السيقان و الأذرع على امتدادها متباعدات. القين
بأنفسهنفي الماء, و عكرن صفو الأمواج, فطوحت بهن فوق الشاطئ, و ندت صيحات قصيرة, و
الشاطئ دغدغته فرحة, و شاركهن الضحك.
****
كانت الشمس أذن بالمغيب راضية مطمئنة, أنهت
يومها, و ها هي عائدة الى خدرها.
****
كانت الشمس قد أيقظت الطيور في أوكارها, و
ملأت حلوقها الصغيرة بالنغم. و بعد أن اعتلت قمة الجبل,, بدأت تزحف في هدوء و
سكينة.. نشرت أشعتها فوق المنحدرات و السهل, و فتحت أبواب القرية و انسلت منها.
رأت الأرملة لا تزال في مخدعها بعد ليلة مسهدة, يعلو وجهها الشحوب, و تسللت خلسة
الى شعرها. و رأت ماريوري في فناء بيتها منهمكة في ري زهورها, فطبعت على جيدها
قبلة خاطفة. ثم أخذت طريقها الى كل نساء القرية تتطلع اليهن بنفس الطريقة, تدللهن
كأنها عاشق.
****
و نهض من مكانه حيث وقف عند عتبة الباب يتطلع
الى النجوم. الطريق اللبني ينساب في هدوء, و المشترى يتأجج نارا, و السماء المرصعة
تتلألأ على البعد في صمت و حبور...
****
ظهرت الشمس عند الأفق, نضرة متوردة الوجه,
مستديرة جذلة. ها هي عائدة الى مملكتها الغنية الوفيرة. كل شئ أصبح على حاله كما
تركته بالأمس : السهل الخصب, و جبل العذراء الأخضر. و منحدرات ساركينا الوعرة, و
بحيرة فويداماتا مستديرة مصقولة كالمرآة, و قرية ليكوفريسي, التي آثرتها بحبها, و
دروبها الضيقة تعج بكائنات كالنمل تسمى بشراً.
****
العالم طلسم... ما أشد غموضه... يعجز المرء
فيه عن أن يميز الشيطان من الرب الرحيم... كثيراً ما يتشابهان... استغفرك ربي.
****
أيتها الحياة المضنية, تمضين كأسطورة من
أساطير الجان.
****
إن هذه الدنيا حلم, و الحياة خمر, يعب منها
المرء و يسكر بها. لقد حار فكرنا.
****
كل الأوجاع يا بي مصدرها الروح, فهي التي
تسوس البدن. روحك مريضة يا مانولي, و شفاء الروح هو دواؤك, ثم يكون شفاء البدن
حتماً.
****
ان فؤاد المرء برزخ يعج بالافاعي و الضفادع و
الخنازير. افرغ قلبك حتى يتخفف مما فيه.
****
كم من جرائم القتل, و كم من الفضائح, و كم من
الاعمال المشينة تضطرم في أعماق نفوسنا ! اننا نلتزم الخير خوفا. تظل شهواتنا طوال
حياتنا دفينة مهتاجة محتدمة الاوار تسمم دمنا. و لكننا نكبح جماح النفس, نخدع
جيراننا و نموت كرماء فضلاء. لا نقترف اثما في وضح النهار طوال حياتنا. ندعي
الفضيلة خداعا و لكننا لا نخدع الله.
****
نكس الأصدقاء الثلاثة رءوسهم ايضا و الهلع
يقتلهم. اقشعرت ابدانهم, اذ احسوا ان الله يسد علينا السبيل كليث يحاصرنا. تحس
أحيانا بأنفاسه, و تسمع زئيره, و ترى عينيه الثاقبتين تخترقان الظلام.
****
ألم تروا يا اخوتي كيف تدخل الدودة شرنقتها
المحكمة الغلق و تختفي بداخلها اذا حل فصل الشتاء؟ يتشوه رأسها و تصير فظة المظهر,
و تلبث في مكانها جامدة, و يتم خلاصها رويدا رويدا وسط الظلام و في داخل احشائها.
اذ يختفي وراء كل هذا القبح وبر خفيف, و عينان براقتان, و جناحان. و في صبيحة يوم
من أيام الربيع الجميلة تثقب الشرنقة و تخرج منها فراشة. و هكذا يعمل الخلاص
بداخلنا وسط الظلام.
****
No comments:
Post a Comment