إبتسامات و دموع

ابتسامات و دموع
فريدريخ مكس مولر
ترجمة: مي زيادة

للطفولة أسرار و مميزات و لكن من ذا الذي يستطيع وصفها! من ذا الذي يستطيع تعليلها, لقد اجتاز كل منا ذلك العمر الذي تشبه ذكراه ذكرى غابة هادئة مسحورة, و خبر يوما فيه فتح عينيه المملوءتين بدهشة السعادة على سناء الحياة الجديدة الفائضة في روحه. يومذاك لا ندري أين نحن و من نحن, بل العالم كله يخصنا و نحن ملك العالم بأسره. حياة تخال دائمة بلا بداية و لا نهاية لا هم فيها و لا ألم. القلوب عندها صافية كسماء الربيع, عذبة كعرف البنفسج, مطمئنة قدسية كصباح أيام الأحد.
ماذا يطرأ على الطفل فيقلق فيه هذا السلام الإلهي, و كيف تنتهي تلك الحياة المشبعة سذاجة و طهارة ؟ أي العوامل يحول معاني كيانه, و يميت فيه الشعور بالاتحاد و التضامن؟ أي العوامل يعلمه تمييز المفرد من الجمع, فينتبه ليجد نفسه في معترك الحياة وحيداً كئيباً؟
لا تقل يا ذا الوجه العبوس, إن ذلك العامل هو الخطيئة! أو هل يجني الطفل إثماً و يقترف ذنباً؟ بل حري بك أن تعترف أننا لكل شئ جاهلون و إنه ما علينا سوى الاستسلام و الامتثال.
أهي الخطيئة التي تنبت البذرة زهرة, و تنضج الزهرة ثمرة, ثم تفنى الثمرة و تذرها هباءً؟
أهي الخطيئة التي تحول تحول الحشرة دودة و تجنح الدودة فراشة, و تذر الفراشة هباءً؟
اهي الخطيئة التي تسير الطفل رجلاً, و تشعل منه الرأس بشيب الشيخوخة, ثم تهمد الشيخ جثة, ثم تذر الجثة هباءً؟
و ما هو هذا الهباء الذي تضيع فيه الصور؟ ألا فاعترف بأننا لكل شئ جاهلون و إنه ما علينا سوى الامتثال و الاستسلام!
و لكنه يحلو التلفت إلى ربيع الحياة و إلقاء نظرة على هيكل التذكار, سواء أكنا من العمر في قيظ الصيف أو حزن الخريف, أو زمهرير الشتاء. بل لابد من ساعات فيها يناجي القلب ذاته قائلاً: " و أنا أيضاً أشعر بالربيع متيقظاًفي! "
هذا ما أشعر به اليوم. و تراني مستلقياً على ندى العشب في الغابة العطرية لأريح جسمي المضني. أرفع بنظري إلى زرقة السماء البادية من خلال الوريقات الخضراء و أفكر: " ترى كيف كانت طفولتي؟ "
أخالني ناسياً كل شئ لأن صفحات الذاكرة الاولى تشبه التوراة القديمة المحفوظة في العائلة أي أن أوراق الاستهلال منها ذابلة متجعدة ملوثة, و لا تتيسر القراءة إلا بعد صفحات و صفحات, عند السطور المحدثة عن طرد آدم و حواء من الفردوس.


No comments:

Post a Comment