قصة مدينة الحجر
اسماعيل كاداريه
ترجمة : د. عفيف دمشقية
كانت مدينة عجيبة تبدو, مثل كائن من كائنات
ما قبل التاريخ, و كأنها برزت بغتة في الوادي ذات ليلة شتوية لتصعد بمشقة سفح
الجبل. و كان كل شئ في هذه المدينة عتيقاً و من حجر, من الشوارع و سبل الماء حتى
سطوح المنازل الكبيرة الدهرية المغطاة بصفائح حجرية رمادية شبيهة بحراشف ضخمة. و
كان يشق على المرء أن يصدق أن لحم الحياة الرخص كان يعيش و يتوالد تحت هذه
القوقعة.
و كانت المدينة توقظ في نفس عابر السبيل الذي
يتأملها للمرة الأولى الرغبة في المقارنة, و لكنه سرعان ما كان يدرك أن في الأمر
شركاً لأن المدينة كانت تستبعد كل المقارنات, فلم تكن تشبه في الواقع شيئاً. لم
تكن تحتمل المقارنات بأكثر من احتمالها الأمطار و البرد و أقواس قزح و الأعلام
الغريبة المتعددة الألوان التي كانت تفارق سطوحها بمثل ما كانت قد وصلت إليها
عابرة غير واقعية بقدر ما كانت هي خالدة و واقعية.
كانت مدينة مائلة, بل ربما أكثر المدن ميلا
في العالم, تحدث جميع قوانين العمارة و تنظيم المدن. و كان أعلى أحد البيوت يلامس
أحياناً بيت آخر, و كانت بالتأكيد المكان الوحيد في الدنيا الذي لو انحدر فيه
المرء على جانب أحد الشوارع لأوشك أن يلفي نفسه على أحد السطوح.
و هذا ما كان يقع فيه السكارى بخاصة في بعض
الأحيان.
أجل كانت مدينة عجيبة جداً. فقد كان في وسع
المرء و هو يمشي في الشارع أن يعلق إذا مد ذراعيه قليلاً في بعض الأمكنة قيعته في
رأس مئذنة. كانت أشياء كثيرة فيها عجيبة, و أشياء كثيرة أخرى تبدو و كأنها من
مملكة الأحلام.
و إذ كانت تحافظ بمشقة على الحياة البشرية في
أعضائها و تحت درعها الحجرية فإنها لم تكن أقل حرصا على إصابة هذه الحياة بكثير من
الآلام و الخدوش و الجراح, و كان ذلك طبيعياً لأنها مدينة من الحجر ملامستها قاسية
و باردة.
و لم يكن من السهل أن يكون الإنسان صبياً في
هذه المدينة.
No comments:
Post a Comment