ساعة مع عيلة غريبة
مي زيادة
الأشخاص
متاتياس : مالي من رجال البورصة.
أغابي : زوجته يونانية الأصل تظهر اللكنة
الأعجمية في لفظها.
مدام سالم : أخته الكبرى ضيفة عنده مع زوجها.
الدكتور سالم : صهر متاتياس.
سميحة : أخت متاتياس الصغرى عزباء تسكن معه و
قد توفيت والدة هؤلاء الأخوة الثلاثة على إثر ولادة سميحة.
شفيق : طالب في مدرسة الحقوق أديب و موسيقي
أخو متاتياس لأبيه و قد توفيت والدته كذلك بعد وفاة أبيه يصغر سميحة بعامين أو
أكثر قليلا.
المكان :
منزل فخم في رمل الإسكندرية
الوقت :
بعيد الساعة التاسعة صباحا.
متاتياس ( جالس أمام المائدة يتناول طعام
الفطور و إلى يمينه زوجته و إلى شماله شقيقتاه مدام سالم و سميحة. يتحادثون عن
أشياء عادية كالمغص الذي تألم منه الولد و الخصام بين الخدم و المخصر على طاولة
البكارا البارحة و لم ربح الجيران من مدخول البوكر في الشهر المنصرم إلخ.. يدخل
شفيق بلا تسرع و يجلس بهدوء في مكانه قرب سميحة. متاتياس يرقبه بشئ من الاستياء ثم
يتنحنح ليجلو صوته و لينذر السامعين بأنه سيقول شيئا خطيرا مخاطبا شفيق: صح النوم
شفيق ( بعد سكوت قصير ) : لم أكن نائما أنا
آت من حمام البحر.
متاتياس : من حمام البحر ؟ إذن هذه الليلة لم
تنم كعادتك ؟
شفيق يصب القهوة في فنجانه معرضا )
إذن تريد أن تنتحر انتحارا؟ أتظن أني سأتحمل
هذا طويلا دون أن أدعك تشعر بأن لك من يسيطر عليك؟ في الليل بدلا من أن تفعل كسائر
الخلائق فتسهر في تياترو أو في سينما....
شفيق (مقاطعا بأدب ) : و هل من شروط الخليقة
أن تسهر
( مفخما اللفظة )
الخلائق في تياترو أو في سينما؟
متاتياس ( دون أن يلتفت لمقاطعته ) : ... أو
معنا نحن أهلك فإنك تذهب إلى مجتمعات الدعوى و الكلام الفارغ و العقول المرقعة
التي تسميها أندية الأدب و المناقشة و الخطابة
( أغابي و مدام سالم يتبادلان إشارة أسف و
تتنهدان عاليا جدا )
و تعود بعد نصف الليل إلى كتبك الشيطانية كأن
نور النهار لا يكفي لإضعاف بصرك و إتلاف صحتك و تقصير حياتك...
أغابي ( تتنهد مرة أخرى ) : يا سلام !
متاتياس ( ينطر إليها شزرا لجرأتها على
مقاطعته و يتابع متغيظا ) : كانت غرفتك منارة عند الساعة الثالثة فمتى نمت و متى
استيقظت ؟ ألا تعلم أن الكتب لم يتاجر بها متاجر إلا و جننته و أفقرته ؟ أتريد أن
تعيش مستعطيا ذليلا ؟ ألسنا نحن أفضل من هذه الوريقات عدة إبليس ؟ أليس مجلسنا
أهلا لك حتى تقضي الساعات مسجونا في غرفتك و عندما تخرج إلينا لا تعطينا غير
الدقائق التي تقضيها على المائدة ؟ أهكذا يصطاف الناس أهكذا يتنزهون و يعيشون؟
أتعلم أن أمرك صار يشغلني إلى درجة القلق ؟ ساعدك الله على حياتك كيف تكون !
شفيق ( يحرك السكر في فنجانه بهدوء و يحتمل
هذه الوعظة بتجلد من اعتاد سماعها يتكلم بأدب و رصانة ) : يسوءني أن أكون سببا
لإزعاجك. و لكني لا أستطيع تغيير فطرتي . ثق بأني لن أفعل ما يؤذيني بل أتمتع
بحريتي باعتدال. أحب أن أشعر بأني حر مطلق الحرية.
مدام سالم ( تشهق متعملة التعجب و الغيظ ) :
أخوك يريد خيرك ز ينصحك و أنت تقول له : " أنا حر " ؟ نجنا يا الله من
أولاد الجيل الجديد دا !
أغابي : دا إيه دا يا شفيق ؟ إنت تبقى حر
إزاي ؟
شفيق ( متألما في ذكائه لمناقشة هذه الرءوس
الخاوية ) : ها قد ابتلينا بموضوع جديد ! و هل كلمة أنا ر هذه الكلمة التي تثبت
وجود الإنسان أمام الوجود هل هي أثيمة إلى هذا الحد؟ إن لي ذوقي و ميولي و مطالبي
و رغباتي و كلها تختلف عن ذوق أخي و ميوله و مطالبه و رغباته. لا يعني هذا أني
أفضله أو أنه يفضلني. كل طبيعة حسنة منسجمة في ذاتها. و لكنه عندما ينصحني و
يعنفني يقدر أني مثله تماما و يجردني من نفسي و لا يتصور أني أختلف عنه كل
الاختلاف فحبذا لو تفاهمنا مرة واحدة و وضعنا حدا لمثل هذه المناقشات. لكل منا
فطرته و حريته و لي حريتي و أريد أن أتمتع بها.
مدام سالم ( و قد طفح كيل تعجبها ) : يا ابني
دا أخوك. يكبرك بعشرين سنة.دا رباك زي أبوك. دا هو احتضنك و رباك. و أنت مخطئ تتبع
سبل الضلال و لما يجي ينصحك تقوم انت تتجاسر تقول له " أنا حر " .
شفيق ( متتبعا باهتمام تحني هذا المنطق
الاعوج ) : من يسمعك قائلة إني أسير في " سبل الضلال " يحسب أني....
( يصمت فجأة إذ يأنف متابعة جدال كهذا ثم
يقول بشئمن المرارة)
تلومونني لأني لا أطيل الجلوس معكم و هل من
عجب و كل جلسة كهذه الجلسة ؟
متاتياس ( يتنحنح كعادته ليقول شيئا خطيرا )
: و كم دفعت ثمن الأرغن الذي جئت به البارحة؟
شفيق ( بتأدب ) : هذا أمر لا يعني غيري.
متاتياس ( يغضب حقيقة هذه المرة ) : شئونك
المالية لا تعنيني ؟
شفيق ( ينجح في أن يكون هادئا كالأول ) :
إنها لا تعني غيري في هذا الموقف لأني ابتعت الأرغن بما توفر لدي من مصروفاتي
الشهرية. و أنا حر في أن أشتري آلة موسيقية تسرني و لا تؤذي أحدا.
مدام سالم : هو " حر " من جديد هو
"حر" كل مرة.
متاتياس : ألست مجنونا ؟
شفيق ( يهز كتفيه ) : قد أكون مجنونا لأني
لست مثل ...
متاتياس ( متمما فكر شفيق ) : مثلنا نحن أليس
كذلك ؟ نحن عقلاء نعمل كجميع الناس و نجتمع بالوجهاء أمثالنا و ألعابنا و مسراتنا
معقولة معتبرة كما أن أشغالنا شريفة كثيرة الأرباح. أما أنت فانظر إلى ما تفعل و
اذكر من تعاشر. و أنا أريد أن أصلحك رحمة بك و خوفا على مستقبلك فتقبل نصحي
كالمجنون الأحمق.
شفيق ( بهدوء حزين ) : حدثني عن رحمتك... إني
حتى الساعة لم ألمح خيالها....
متاتياس ( يتكلف الشفقة المتناهية ) : و ماذا
ينفع الذكاء و الدرس إن لم يقدهما النصح و الرأي؟ اعلم أيها المغرور أنه كما قال
الساعر العربي
( بفخامة و تأن في الالفاظ )
" الرأي قبل شجاعة الشجعان "
( شفيق ينظر إلى أخيه بعينين واسعتين دهشتين
و فيهما خيال الضحك فتهمس له سميحة بسرعة : " لا تدهشنك هذه الفصاحة الفجائية
! هذا عنوان إعلان تجاري رىه في جريدة هذا الصباح قرب أخبار البورصة. " هنا
ينهض متاتياس بعظمة تتبعه زوجته و مدام سالم و يتجهون نحو الباب. و عندما يصل
متاتياس قرب أخيه يتهكم قائلا: "" ابق على حريتك لنرى إلى أين تقودك.
" ثم يخرجون و شفيق مهتم بملس الزبدة على كسرة خبز في يده. و بعد أن يبتعد
وقع أقدامهم يجيل النظر فيما حوله فيرى أنه وحده فيحمل فوطته و يلوح بها في الفضاء
كمن يطرد الذباب فيسمع صوتا يتكلم وراءه و يلتفت فيرى الدكتور سالم مشيرا نحو
الشرفة حيث سميحة تسقي الأزهار. )
الدكتور سالم ( مخاطبا سميحة ) : أتسمحين لي
بفنجان قهوة صغير ؟
سميحة : أسمح بفنجان قهوة كبير.
( تدخل من الشرفة و تدنو من المائدة. )
الدكتور : أشكر لك كرما لن أتمتع به يجب أن
أذهب إلى المدينة في الحال.
( مخاطبا شفيق )
كيف الحال يا سي شفيق ؟
شفيق : في الحياة أمراض لا يداويها الكب يا
دكتور.
سميحة ( بعطف أكيد ) : لقد أنهكوا قوى هذا
الولد المسكين.
الدكتور ( يشرب القهوة واقفا ) : كدا ؟ و أي
ذنب جنيت يا كثير الذنوب ؟
شفيق : هو الذنب الأكبر الذي لا ينتهي. و هل
ينتظرك في المدين مريض ما ؟
الدكتور : لا تغير الموضوع اخبرني عن ذنبك
الجديد.
سميحة : سهر البارحة في النادي. و ظلت غرفته
منارة حتى الساعة الثالثة صباحا. و ابتاع أرغنا و قال إنه " حر " هذه
قائمة الذنوب الجديدة.
شفيق ( لا يلتفت إليها ) : ذنبي الذي لا يغفر
هو أني لست طفلا أريد أن أفتكر بنفسي و أعمل لنفسي و أعتمد على نفسي و هم يقذفون
على بآرائهم و نصائحهم في كل حين. و ما هي قيمة الراي يا ترى إن لم أطلبه أنا ؟ و
قد أطلبه و أسمعه دون أن أتبعه. ثم إذا استشرت غيري كل خطوة فكيف أعرك الامور
فأخطئ هنا و أصيب هناك و اكتسب من الفشل و النجاح اختبارا هو في الحقيقة أكبر و
أقدر ما يقود المرء في هذه الحياة المتشعبة السبيل ؟
الدكتور: الراي حسن يا شفيق عندما تطلبه و
تكون في حاجة إليه.
شفيق ( متحمسا ) : حسن في هذه الحال و قبيح
في ما عداها. عندما أقصدك مستشفيا أعلم أنك تستطيع شفائي فأذعن لأوامرك و أقبل
نصائحك. و عندما اسألك رايك أعتبرك قادرا على و ضع نفسك مكاني و الشعور معي حقيقا
بان تقودني في طريق سلكتها و اختبرتها قبلي. و لكن ما قيمة الراي عند غير أهله؟
كيف يرشدني في الموسيقى من لا يتقن إلا التجارة؟ كيف يصلح أغلاطي اللغوية من كان
صحيحه مغلوطا؟ كيف يعلمني الصينية من لا يعرف عدد حروفها ؟ ثم كيف هو ينهاني عن
قيادة زورق حياتي كما اريد ؟ عجبا ألام لأني لا أقضي ليالي حول الطاولة الخضراء و
لا أصرف نهاري بين سباق الخيل و صيد الحمام و حانات الرقص و الشراب ؟ كنت و ما زلت
أعتقد أن من كانت هذه حياته حق عليه الملام و ها أنا الذي أطلب الهدوء و الوحدة
اقابل بالشغب و العبوس.
( يصمت آسفا لأنه تكلم إلا أن الكلام يعود
متدفقا من شفتيه )
يعيرني أنه رباني صغيرا و الله يعلم كيف
رباني إنه أدخلني المدرسة و هل كان بوسعه أن يفعل أقل من ذلك و يقول إنه بمثابة
الاب لي فأي حنو وطد هذه الابوة ؟ كنت اقضي في المدرسة شهورا طويلة دون أن أراه و
إذا زارني هو و ... و هن حملوا إلي الحلوى و العبات و كل ما تجلبه الدراهم و لكنهم
لم يكونوا ليعطوني منهم شيئا الدراهم أورثنيها أبي مثل ما أورثهم أما قلوبهم فكانت
مختومة كالقبور. كنت أبكي- اتسمع يا دكتور ؟ قلت أبكي- كنت أبكي عندما أرى رفاقي
في أحضان ذويهم محبوبين مدللين أما هو فكان ياتي و يذهب بلا قبلة عطف بلا كلمة
محبة بلا نظرة اهتمام لليتيم الصغير الذي كنته و كم كنت مستعدا لأحبه و كم كنت
أتمنى أن يتركني أحبه دون أن يجمد قلبي و لو علمت اليوم أنه ينصحني ليجعل لنفسه
أهمية و ليذلني و لو أذعنت لكلامه لحظة ما تأخر عن تغييره في اللحظة التالية.
( يتنهد )
لا أستنشق في هذا البيت غير هواء المقت و
الكظيمة إنهم ينظرون إلي كدخيل مغتصب و هذه أمراض عضالة لا تستطيع معالجتها يا
دكتور.
(تلتقي عيناه بعيني الطبيب و هو ينظر إليه
طويلا بعظف يشبه المصادقة فيهز راسه فجأة و يحاول الابتسام )
أستميحك عفوا فقد مزجت قهوتك بالشكوى
( يهز كتفيه )
ما أحقر الشكوى و ما أحقر الشاكي
( يتغلب على نفسه و يرسل زفرة عميقة )
انتهى يا دكتور.
الدكتور ( متجها نحو الباب ) : نصحي إليك و
غن كرهت الناصحين ان تخرج من نفسك بقدر الإمكان. إن عكفك على ذاتك يزيد عواطفك رقة
و تهيجا. احتك بالناس اسمع ثرثرتهم شاركهم فيها اخرج إلى الهواء الطلق تعاط
الالعاب الرياضية العب العب كن من أبناء جيلك لئلا تتعذب كثيرا.
سميحة (تغمز ضاحكة ) : سلمني مريضك فأمرضه يا
دكتور !
( إلى شفيق )
تعال معي إلى الهواء الطلق تعال و كن رابع
رفقائي في دور التنس هذا الصباح
يخرج الطبيب مسلما و يحاول شفيق اتباعه فتسد
سميحة الطريق قائلة ) :
لا تذهب هكذا لئن ساءني ان أراك غاضبا فإنه
يحزنني ان أراك حزينا و عندما يضايقونك يضعف احتمالي و ينفد صبري.
شفيق ( ببرود ) : يحزنك ! يسوءك ! إنك مثلهم
جميعا.
سميحة : ما أجهلك بي ! لماذا لا تنظر إلي ؟
لا أدري أأنت محق أم متاتياس و لكن ميلي معك .
شفيق ( بلا اكتراث و دون أن ينظر إليها ) :
عجائب !
سميحة : لو علمت أني في حاجة إليك و أني شقية
مثلك في هذا البيت لما كلمتني بهذه اللهجة.
شفيق ( يتكلف الاهتمام التمثيلي ) : شقية أنت
بين حمامات البحر و لعب الكره و السهرات الراقصات و السينما و التياترو و مغازلة
أبناء الوجهاء أمثال أخيك ؟ تعزي بالأثواب الجديدة و القلائد الكثيرة و الكعاب
الطويلة تعزي ولا تحزني!
( ينظر إلى ساعته )
مضى الوقت أرجوك أن تدعيني أخرج.
سميحة ( بتأن ) : قلت إني في حاجة إليك
شفيق ( يخرج من جيبه مفكرة و قلم رصاص ) :
صحيح نسيت بماذا تريدين أن أجيئك من المدينة.....
( منتظرا أن تتكلم ليكتب )
بودرا ؟ خضاب ؟ عطر ؟ زهور ؟ شكولاتا ؟ أي شئ
؟
سميحة ( يظهر الحزن في وجهها و تفسح له الطريق
قائلة ) : لك أن تخرج.
شفيق ( يخطو العتبة و هناك يتردد ذاكرا
خشونته. ثم يلتفت و يعود نحو سميحة و ينظر في وجهها متمتما ما يشبه الاعتذار ) :
إنك لا تنقمين علي أليس كذلك ؟
سميحة : و ماذا يهمك ؟
شفيق : لا يهمني ! لقد هنت على الآخرين
فهانوا هم علي لا يهمني شئ.
سميحة : فهمت أني لا ألومك و إنك لا تريد أن
تعتي بأمري أعدت لتقول هذا ؟
شفيق : عدت لأقول.....
( بتردد )
أراك غير راضية.
سميحة : حقا لست راضية . إني شقية.
شفيق ( لا يريد أن يتأثر ) : لست جادة.
سميحة : ز هل من شقاء أوفر جدا من أن تقصد
زوجة متاتياس أن تزوجني لأحد أقاربها و اسمه خريستوبوبو لاندو بولس.
شفيق ( يرفع يده كمن يقي رأسه لطكة )) : يا
حفيظ ! ما كل هذا ؟
سميحة : كل هذا اسم واحد .
( يا ئسة )
اسم يملأ بطاقة الزيارة من أولها إلى آخرها .
شفيق ( مواسيا ) : هوني عليك ! و ماذا يقول
متاتياس ؟
سميحة : و ماذا ينتظر من رجل لا قيمة عنده
إلا للمال و كل اسمه متاتياس ؟
شفيق ( يضحك ) : لست أدري لماذا أعطوه هذا
الإسم.
سميحة : يظهر أن ابن جارة يونانية لنا كان
يدعى به . و ربما كان تبوءة بأنه سيقترن بامرأة يونانية من ذوي قرباها خريستو بوبو
لاندو بولس هذا.
شفيق : ممكن
( يضحك ثم تعود إليه هيئة التفكير شيئا فشيئا
)
إذن تتخوفين الغرغام ؟ أيزعجك الإرشاد
المتتابع أم في هذا القلب الصغير شئ آخر ؟
سميحة : أنت طيب كجميع الرجال الأذكياء.
شفيق ( يتفحص وجهها بدقة ) : و كيف عرفت جميع
الرجال لتعلمي أن الأذكياء منهم ....
سميحة ( مشرقة الوجه ) : أعرف الجميع لأني
أعرف واحدا.
( تهز راسها لتخفي خجلها )
و انت أخبرني أسرارك : بين الكثيرات و
القليلات المفضلات على الأخريات ألا يوجد واحدة....
شفيق ( يأتي إشارة مبهمة و نظرة يتبع خطوط
حلم بعيد ) : ليس هذا من شئون الفتيات. و ساروفيمك هذا من أبطال التنس ؟
سميحة : إن ذكاءك لمدهش ! هو زميلي و قد
غلبته مرات مع أنه لاعب ماهر.
شفيق : و قد نال حظوة في عينيك لأنه لاعب
ماهر أم لأنه مثل دور المغلوب؟
سميحة ( تحلم ) : لست أدري. إنه يجذبني خصوصا
و نحن وحدنا في الليل على شط البحر.
شفيق ( متبرما ) : وحدكما على شط البحر و في
الليل ما هذه الحكاية ؟
سميحة ( تتغير ملامحها و تجللها الهيبة و
العظمة ) : هناك عطفة تؤدي إلى الشط حيث طائفة صخور لها صور الضواري و أشكال ينبسط
امامها البحر بمروجه المائية و تنهده العميق الفسيح هناك تحت عيون النجوم أجلس على
مقربة منه أجلس في حماه فيتناجى هو و البحر صامتين و أظل حابسة انفاسي لأستمع
لنجواهما.
شفيق ( مأخوذا بهذا الشئ الجديد الذي لم
يعهده فيها ) : أشاعرة أنت حقا أن المرأة لغز.
( و لكنه يعود إلى ما يشغله )
و من ذا الذي اكتشف هذه الخلوة ؟
سميحة : و من ذا الذي يصنع الأعاجيب غيره ؟
اكتشفها و قال تعالي فذهبت
شفيق ( غير مسرور ) : أيكفي أن يقول تعالي
لتذهبي ؟
سميحة ( تملأ عينيها مشاهد بعيدة ) : يكفي أن
يقول تعالي لأذهب
شفيق ( جادا ) : أنصحك ألا تذهبي بعد الىن.
( سكوت قصير ثم يقول آمرا و بقوة هادئة )
لا أريد أن تذهبي أتفهمين ؟
سميحة ( تعود إلى خفتها الأولى مقلدة صوته )
: تصحي إليك ألا تذهبي لا أريد أن تذهبي
( ثم بلهجة خطابية فخمة و إشارة تمثيلية
واسعة )
اصغي خاشعة أيتها الشعوب فإن أخا متاتياس
يتكلم
شفيق ( متغلبا على نفسه لا يريد أن يضحك ) :
اسمعي يا بنية : أنت لا تعرفين هؤلاء الشبان و لا تسمعين ما يتبجحون به بعضهم أمام
بعض. يكفي الواحد منهم أن يعرف فتاة معرفة سطحية و أن تكون علاقته بها اجتماعية
محضة فتجامله مجاملة تقضي بها الاصطلاحات بل قد يكفي أن يراها مرة واحدة ليذكرها
بلهجة توهم انه واقف على جميع دخائلها لو علمت النساء جميع التعليقات و الملاحظات
و أنصاف الابتسامات و أنصاف النظرات و صنوف الكلام و صنوف السكوت الخبيثة التي
يشفع بها ذكرهن أولئك المتملقون آه لو علمت النساء الغافلات
سميحة : شرير منك أن تعمد إلى الوشاية
شفيق : هذا هو الواقع مع الأسف.
سميحة: قد يوجد بين الرجال كمن وصفت و لكن هو
لا يشبههم
شفيق : كل امرأة تكبر بطلها و ترفعه فوق
الآخرين أقول لك إنه يكفي أن يصافحها...
سميحة ( بلهجة الغالب ) : و أنا أقول لك إنه
لا يصافحني
شفيق ( مرتابا ) ألا تصافحينه قبل التنس و
بعده ؟
سميحة : أصافحه وقتئذ و أصافحه كلما اجتمعت
به في الأندية العامة كما أصافح غيره من معارفي أما في تلك الخلوة القدسية فلا
شفيق : أهي معاهدة بينكما ؟
سميحة : تعاهدنا و لكن بغير كلام.
شفيق : لم تتصافحا البارحة أما الغد فمن
يضمنه ؟ لو مد لك يده و قال ضعي يدك هنا فماذا أنت فاعلة ؟
سميحة : ( لا تريد أن تتخيل ذلك ) : هذا غير
ممكن . هذا مستحيل .
شفيق : و لكن هي لحظة أن المستحيل ممكن. لو
مد يده غدا و قال
( يلفظ الكلمات بتأن متعمدا )
بلهجة قوله " تعالي" : لو قال بتلك
اللهجة " ضعي يدك هنا " فماذا أنت فاعلة ؟
سميحة ( حائرة حزينة ) : أتركه أهرب و لا
أعود ألتقي به
( ترفع رأسها مفاخرة )
غير أن الرجل الذي أحتمي بحماه لا يحوجني إلى
الهرب.
شفيق : كم تحبينه !
( سميحة تضطرب كأن هذه الكلمة لمست من نفسها
مكانا مؤلما فتسبل أجفانها و تسح دموعها ببطء شفيق يتأملها. )
أإلى هذا الحد ؟
سميحة ( تفتح عينيها فجأة و تسأل بحرقة ) :
شفيق قل لي : أتظن أن فتاة مثلي فتاة عادية مثلي تستطيع أن تسعد رجلا حاد الذكاء؟
شفيق ( يبتسم بحلم ) : أري جميع أعراض المرض
بادية و أراك ككل امرأة تبالغين في قدر من تحبين.
(يسكت متأملا )
أتمنى أن يكون هذا الغلام أهلا للكنز الذي هو
أنت.
( ثم معاتبا و مداعبا معا )
و هكذا أفقد أختي ساعة أجدها ! إذا سرق هو كل
شئ فماذا يبقى لي ؟
سميحة : في صدر المرأة قلوب يا فيلسوف و على
كل أن يجد القلب الذي يخصه.
( عائدة إلى الموضوع الرئيسي )
خلاصة كل هذا أني أتكل عليك في دحر متاتياس و
خرستو بوبو بولاند بولس و شركائهما.
شفيق : سندحرهم و معنا الدكتور سالم الذي
أحترمه لأنه ليس على وفاق مع أختك زوجته مسكين أما سهراتك على شط البحر فسيكون لك
من يرقبها و يحرسها... يا لعناد النساء و في ما عدا ذلك سندحرهم و لنا الفوز
المبين
سميحة: آمين
( تمضي باحثة عن صولجان التنس و شبكته و تنشد
)
يا ليلة يا بيضا يا نهار سلطاني
( ثم تغادر الغرفة بخطوات خفيفات راقصات )
شفيق ( يخرج إلى الشرفة منتظرا مرورها في
الحديقة و عندما يراها ينحني قائلا ) : سلمي عليه
سميحة ( تتظاهر بعدم الفهم : أي شئ ؟
( ثم تضم أصابعها و تدنيها من شفتيها و تقول
) :
ما أحلى اسمك يا شفيق !
No comments:
Post a Comment